الصحة الإنجابية في تونس: ديوان الأسرة يقترح مخططا من أجل حمل صحي وآمن
ساهم برنامج تحديد النسل والصحة الإنجابية المعتمد في تونس منذ أكثر من 50 عاما في مجال التخطيط السكاني والتحكم في الخصوبة، وجنب البلاد إمكانية تضاعف عدد السكان بمعدلات قد تصل إلى السبع مرات.
وتفيد بحوث علمية ديموغرافية بأنه عوض أن يتضاعف عدد السكان الدولة التونسية مرتين ونصف وينتقل من 4 ملايين ونصف مليون نسمة سنة 1966 ليصل الى حدود 11 مليون و803 ألف نسمة في 2021، كان يمكن أن يبلغ حدود 30 مليون نسمة، وهو ما أكده رئيس مدير عام الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري محمد الدوعاجي في حوار لموزاييك، والذي لفت إلى أن ذلك ما يجعل من برنامج التنظيم العائلي والصحة الإنجابية من ضمن أهم البرامج الديمغرافية التي أسهمت في تحسين نوعية الحياة للأزواج والنساء والرجال.
الإقبال على وسائل منع الحمل في تونس: مؤشرات وأرقام..
تحسنت نسبة التغطية بوسائل منع الحمل من 50.7% سنة 2018 إلى 54.1% سنة 2023، مع تقلص في الفوارق بين الوسطين الحضري والريفي إلى حدود التقارب في النسب.
وبالنسبة للفوارق بين الوسطين الحضري والريفي، فقد تقلصت خلال السنوات الأخيرة في نسبة التغطية بوسائل منع الحمل وتراجع الفارق من 4.1 نقطة سنة 2012 إلى 1.5 نقطة سنة 2023 لصالح الوسط الريفي، ولأول مرة تجاوزت النسبة بالوسط الريفي ما يتم تسجيله بالوسط الحضري.
وحسب منظمة الصحة العالمية، فإن استعمال وسائل منع الحمل يسهم في التقليص من وفيات الأمهات وفي الحد من وفيات الأطفال، لذلك يجب العمل على توفير هذه الوسائل لمستحقيها من الجنسين بأسهل الطرق الممكنة باعتبارها أحد أهم الحقوق، لأن تنظيم الأسرة بما يشمله من المراقبة الدورية للحمل والمباعدة بين الولادات من شأنه أن يساعد على المحافظة على صحة المرأة والطفل وفي تحقيق الرفاه العائلي، وعلى المرأة أن تعي خطورة إهمال مراقبة حملها، مع ضرورة استعمال وسائل تنظيم الأسرة للمباعدة بين الولادات.
انخفاض نسبة وفيات الأمهات ولكن..
وكشف رئيس مدير عام الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري، في حديث خاص لموزاييك أن نسبة وفيات الأمهات في تونس منخفضة لكنها مازالت دون أهداف الألفية الثالثة، إذْ بلغت نسبة وفيات الأمهات في تونس 34.7 لكل 100 ألف ولادة حية سنة 2010 بعد أن كانت 68,9 سنة 1966.
وتم وضع إستراتيجية وطنية لصحة الأم والمولود خلال الفترة المتراوحة بين 2020- 2024 وتهدف إلى التقليص من نسبة وفيات الأمهات إلى أقل من 22.8 لكل 100 ألف ولادة حية سنة 2024.
ما مدى نفاذ النساء إلى خدمات الصحة الإنجابية؟
أكثر من 100 مليون امرأة في البلدان الأقل نموا يرغبن في تجنب الحمل، إلا أنهن لا يستخدمن أيا من وسائل تنظيم الأسرة لأسباب متنوعة.. ويوصف هذا الوضع بـ"الاحتياجات غير الملبّاة" لتنظيم الأسرة.
وتهم الاحتياجات غير الملبّاة النساء الناشطات جنسيا (سواء متزوجات أو في علاقة)، وتتمثل الأسباب الأكثر شيوعا للاحتياجات غير الملباة في العالم أساسا في انخفاض جودة خدمات الرعاية الصحية، والمخاوف بشأن الآثار الجانبية لوسائل منع الحمل، ونقص المعلومات عن وسائل منع الحمل أو أماكن الحصول عليها، إضافة إلى صعوبة الوصول لأماكن تقديم الخدمة والحصول على وسائل منع الحمل الحديثة بسبب البعد الجغرافي أو التكلفة العالية وعدم انتظام زيارات العيادات المتنقلة، فضلا عن المعارضة من بعض الأزواج والأسر.
وتتسبب الاحتياجات غير الملباة في حدوث الحمل غير المرغوب فيه والذي يشكل بدوره مخاطر صحية واجتماعية كبيرة على النساء وأطفالهنّ.
وتبلغ نسبة الاحتياجات غير الملباة في تونس وفق آخر الإحصائيات الصادرة عن ديوان الأسرة والعمران البشري 16.1% حسب المسح العنقودي متعدد المؤشرات الأخير لسنة 2023، مسجلة تحسنا مقارنة بسنة 2018 حيث كانت في حدود 19.1 بالمائة.
للإشارة فإن الحاجيات الإنجابية غير الملباة في تونس مرتفعة لعدة أسباب، فسّرها رئيس مدير عام الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري، بـجائحة كورونا وصعوبة النفاذ إلى الخدمات في ظل امتداد فترة الحجر الصحي، إضافة إلى الأسباب الخاصة بالديوان والمتمثلة في نقص الموارد البشرية نظرا للإحالة السنوية لعدد كبير على شرف المهنة، وغياب مناظرات الانتداب في الوظيفة العمومية خلال السنوات الأخيرة، وكذلك الموارد اللوجستية على غرار تقادم وضعية أسطول النقل وتهرّمه خاصة بالجهات، وهو ما يشكل عائقا أمام الفرق المتنقلة، فضلا عن اهتراء البنية التحتية لمعظم البنايات الخاصة بالمندوبيات الجهوية للديوان، فبعضها تخلّت عن مقراتها ولجأت إلى الكراء، ومنها في طور التهيئة، والبعض الآخر بصدد إتمام الإجراءات القانونية للبناء (العقارية والإدارية).
وفي حديثه لموزاييك، أشار رئيس مدير عام الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري محمد الدوعاجي، إلى أن الديوان طرح مقرحا على وزارة الصحة وهو محل درس حاليا، ويتضمّن مخططا في أفق 2030 يشتمل على حزمة خدمات صحية لفائدة النساء الحوامل تمنحها إمكانية حق النفاذ إلى الخدمات الصحية طيلة فترة الحمل مجانا.
دور المجتمع المدني في التوعية والتثقيف
يشهد الاهتمام بموضوع الصحة الإنجابية والجنسية الشاملة في تونس تصاعدا خاصة لدى النساء لما له من أهمية في الكشف المبكر عن عدة أمراض وتمكينهنّ من بدأ العلاج مبكرا. وفي هذا السياق، تتعدّد الحملات التحسيسية والتوعوية من قبل عدة جمعيات ومنظمات مدنية في تونس في علاقة بالأمراض المتعلقة بالصحة الإنجابية والجنسية، وما يترتب عن ذلك من تحديات وتداعيات نتيجة قلّة المعرفة بها أو الإهمال المتعمّد وغير المتعمّد وما ينتج عنه من مضاعفات تمسّ من الصحة الإنجابية.
ومن بين هذه المنظمات التي تطرح هذه المسائل على طاولة النقاش منظمة "صحفيون من أجل حقوق الإنسان" حيث سعت في أكثر من مناسبة لنشر التوعية والتثقيف الصحي بناءً على دراسات طبية وعلمية وأصدرت بالشراكة مع أخصائيين في المجال، كتيّبا خاصا يتضمّن طرق التغطية الإعلامية لمختلف الأمراض والوقاية منها، وكذلك يوجه النساء لكافة المؤسسات الحكومية المعنيّة بتنظيم الأسرة والصحة الإنجابية.
وفي هذا السياق، أكد الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري انفتاحه على التعاون والشراكة مع مكونات المجتمع المدني والمنظمات الدولية ووسائل الإعلام لوضع برامج تساعد على تطوير خططه وتنفيذها خاصة أنها تتعلق بعدّة قضايا تهم المرأة والطفل والأسر بشكل عام.
*غفران العكرمي